الخميس، 10 يناير 2013

محمد –صلى الله عليه وسلم- والتستر على الناس


الستر والعفو والصفح والغفران توجيهات ربانية، وسنة نبوية، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" متفق عليه؛ ويقول: "لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة" أخرجه مسلم.
إن الستر باب من أبواب الفضل، والرفعة والأجر، والترقِّي في مراقي الأخلاق العالية؛ أين هذه الأحاديث من أناسٍ يفرح الواحد منهم بزلة أخيه, ويسعى إلى التشهير بالناس؟ بل وبعضهم قد يصل به الحمق إلى أن يظن أن من الدين التلصص على الناس, والمتابعة الدقيقة لهم، حتى في قعر دار الواحد منهم للظفر بزلة عليه, أو معصية عنده, وهذا من الجهل بروعة الدين، وخلق الإسلام.
وإذا كان هذا الوعيد على التشهير المعروف في ذلك الزمن البعيد، بمعنى أن الخبر سوف يصل إلى المجموعة القريبة من ذلك الإنسان, فهو لن يسطر في صحف، ولن يظهر في قنوات, ولا يوزع في ساحات النت, ولا يرسل عبر الجوالات, ومع كل ذلك يرد الوعيد الشديد عليه، والتخويف منه, ويرد في المقابل الأجر العظيم لمن يستر، فما بالك به في مثل هذا الزمن المخيف، زمن المصائب والمعائب, زمن الفضائح, زمن التشهير, زمن التسجيل والكاميرات, وقنوات الوسائل الدعائية, والإعلامية التي تفضح الإنسان وتشهر به عند الملايين من البشر.
إنك تعجب من الذين ينالون من الناس، ويتشفون بالخطَّائين، ويوزعون الفضائح, ويتناقلون العيوب, وينشرون السلبيات عبر وسائل النشر المتعددة؛ بل وأدهى من ذلك وأمَرّ أنك تسمع عن مآسٍ يندى لها الجبين، حيث يعمد بعض من لا خَلاق لهم بتصوير امرأة في وضع غير محتشم, أو رجل، سواء كان ذلك خدعة وتمويهًا أو كانت معصية على الحقيقة، ثم يقوم بنشرها على مواقع الإنترنيت أو الجوالات أو ما شابه ذلك؛ فيترتب عليها من الفضائح ومن دمار البيوت وخراب الأسر, بل قد يسيء إلى بلدة أو قبيلة بكاملها, وقد يتطور الأمر إلى القتل والقطيعة وغير ذلك من المصائب والحسرات والهموم والأمراض النفسية ما لا حد له.
فكيف تظنون مآل من يفعل ذلك بإنسان، أو يرضاه على مسلم؟ روي عن عوف الأحمسي أنه قال: كان يقال من سمع بفاحشة فأفشاها كان فيها كالذي بدأها. يقول -صلى الله عليه وسلم-: "مَن ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة، ومن كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" أخرجه ابن ماجه, وصححه الألباني.
وهنالك ما هو مثل ذلك وأشد، وهو افتراءاتهم واختلاق الفضائح ثم رمي أناس بها وترويجها على الملأ. عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَن قال في مؤمن ما ليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال"، زاد الطبراني: "وليس بخارج" رواه أبو داود والطبراني والحاكم بنحوه وقال صحيح الإسناد.
(إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) [النور:19]، يا ويلهم! يا ويلهم! يا ويلهم إن لم يتوبوا إلى ربهم! إن الأمر في غاية الخطورة, وإن من حرص على فضيحة المسلم فسوف يفضحه الله, ولو كانت تلك الفضيحة أمام اثنين أو ثلاثة، فكيف بمن يعلن الفضائح, ويروج لما يسيء للناس على الملايين من البشر؟ نسأل الله السلامة والعافية.
أين هؤلاء من الخُلق؟ أين هؤلاء من الإنسانية؟ أين هؤلاء من الدين، ومن الفطرة، ومن الحمية، ومن العقل، ومن العاطفة؟ هل يرضى أحد لنفسه بأن يكون في مثل ذاك الموقف المحرج؟.
إن الله تعالى كما أخبر عنه -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله حيِيٌّ يحب الحياء, وسِتِّيْرٌ يُـحِبُّ السَّتْرَ" أخرجه البيهقي في شعب الإيمان؛ سبحانه! ما أرحمه وأكرمه! يتجرأ عليه العاصي, وينتهك حرماته, ويقع فيما نهى عنه, ثم يستره في الدنيا، ويغفر له في الآخرة.
وإن نبينا -صلى الله عليه وسلم- نبي الستر والحياء، والعفو والرحمة، وحب الخير للناس, وإنه -صلى الله عليه وسلم- قد عطر أسماع الدنيا كلها بأروع أحاديث الستر وقصص العفو والصفح، وحب الخير للناس, ويصعد -صلى الله عليه وسلم- المنبر ثم ينادي في الناس: "يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته" أخرجه أبوداود، وصححه الألباني؛ ويقول -صلى الله عليه وسلم-: "إنك إن اتبعت عورات الناس أفسدتهم أو كدت أن تفسدهم" أخرجه أبوداود وصححه الألباني.
فينهى -صلى الله عليه وسلم- عن تتبع عورات الناس أو التجسس عليهم, قال تعالى: (وَلَا تَجَسَّسُوا) [الحجرات:12]، إن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- كان يعلم الناس الستر، وإقالة عثرات الناس، وعدم تتبع عوراتهم، أو الحرص على إشهار مستورهم.
سأل رجل الحسن البصري فقال: يا أبا سعيد! رجل يعلم من رجل شيئًا، أيفشي عليه؟ قال: سبحان الله! لا. وكان أبوبكر الصديق –رضي الله عنه- يقول: لو أخذت سارقًا لأحببت أن يستره الله، ولو أخذت شاربًا لأحببت أن يستره الله -عز وجل-.
ولقد كان -صلى الله عليه وسلم- يُعلِّم الناس أن يستروا على أنفسهم فيقول: "كُلُّ أُمَّتِى مُعَافَاةٌ إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِنَ الإِجْهَارِ أَنْ يَعْمَلَ الْعَبْدُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحُ قَدْ سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلاَنُ، قَدْ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ، فَيَبِيتُ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ" أخرجه مسلم.
ويَقُولُ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ سَتَرَ مُؤْمِنًا فِى الدُّنْيَا عَلَى خِزْيَةٍ سَتَرَهُ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ"،
إن الستر على الناس مطلب شرعي جليل، وخلق محمدي نبيل, وعلى المسلم أن يكون محبًّا للستر على إخوانه, لكي يستره الله تعالى في الدنيا والآخرة, فما من أحد إلا بذنوبه وأخطائه ومعايبه، يقول أحد السلف: لو كان للذنوب ريح لما استطاع أحد أن يجلس إلى أحد. وقد روي: لو تكاشفتم ما تدافنتم.
كل إنسان بحاجة إلى ستر الله تعالى عليه، ومن أحسن ما يستدر به عطف الله وعفوه وستره أن يستر على الناس؛ لأن الجزاء من جنس العمل، ويجب على كل من في قلبه ذرة من إيمان أو إنسانية أو خلق أن يقف بقوة في وجه أرباب الإشاعات، ومروجي الأكاذيب، ومتصيدي العيوب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق