كُلُّ مُلْك يفنى، وكل
سُلطانٍ يزول، إلا ملِك واحد، حيٌّ دائم لا يموت ولا يزول، ولا يهتز ملكه، ولا
يتزعزع عرشه، يخلق الملوك جميعًا ويفنيهم، يؤتي الملك من يشاء، وينزعه ممن يشاء،
ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، وهو وحده الذي بيده ملكوت السموات والأرض، (قُلِ اللَّهُمَّ
مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ
تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ
إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [آل عمران:26].
لا تـخفى عليه خافية،
ولا تغيب عنه ذرة، ولا تسقط ورقة إلا يعلمها، (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا
يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ
مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا
رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [الأنعام:59]، لا يغفل ولا
يسهو، ولا يشغله شأن عن شأن، وكل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام.
عن عبد الله بن عمر
قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية وهو على المنبر:
(وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا
يُشْرِكُونَ) [الزمر:67]، قال: "يقول الله: أنا الجبار، أنا المتكبر، أنا
الملك، أنا المتعال! يمجِّد نفسه، قال: فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يرددها حتى رجف بها المنبر؛ حتى ظننا أنه سيخر به" رواه أحمد.
وعن أبي هريرة -رضي
الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "يقبض الله الأرض،
ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك! أين ملوك الأرض؟" مسلم.
(كَلَّا إِذَا دُكَّتِ
الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا وَجَاءَ رَبُّكَ
وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا * وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ
الْإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) [الفجر:21-23].
سبحانه ملك الملوك! سبحانه الواحد الأحد، الحي
الدائم الذي لا يموت! سبحان الذي أباد الأمم، وأزال الدول، وأهلك الجبابرة! (هَلْ
تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) [مريم:98].
خضعت له الرؤوس، وخشعت
له القلوب، ودانت له الجوارح، وسبَّحت السموات والأرض بحمده، سبحانه الملك القوي
العزيز الجبار القهار لم يتخذ شريكًا في الملك، ولم يكن له صاحبة ولا ولدًا، ولم
يتخذ وزيرًا أو معينًا أو مساعدًا، أو حرسًا! (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ
الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ)
[سورة الإخلاص].
الكل في قبضته، والكون
تحت مشيئته، ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن، وإذا أراد أمرًا فإنما يقول له كن
فيكون،(قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ
السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ
الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ
فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) [يونس:31].
هو الكريم الجواد الذي
يفيض على عباده الرزق، ويغمرهم بالنعم، ويؤتيهم من واسع فضله؛ وفي الحديث:
"يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم، قاموا في صعيد واحد فسألوني
فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما يُنقص المِخْيَطُ إذا أدخل
البحر" مسلم.
حَكَمَ فَعَدَلَ، وقدر
فعفا، وعُبد فشكر، وعُصي فغفر، ودُعي فأجاب، وسئل فأعطى؛ أعدَّ لعباده ما لا عين
رأت، وأذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر؛ ولك أن تتخيل أدنى أهل الجن منزلة!.
عن عبيدة عن عبد الله
-رضي الله عنه-: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إني لأعلم آخر أهل النار
خروجًا منها، وآخر أهل الجنة دخولًا، رجل يخرج من النار حبوًا فيقول الله: اذهب
فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى، فيرجع فيقول: يا رب وجدتها ملآى،
فيقول: اذهب فادخل الجنة، فيأتيها فيخيل إليه أنها ملآى فيرجع، فيقول: يا ربي
وجدتها ملآى، فيقول: اذهب فادخل الجنة، فإن لك مثل الدنيا وعشرة أمثالها، أو إن لك
مثل عشرة أمثال الدنيا، فيقول: أتسخر مني أو تضحك مني وأنت الملك؟ فلقد رأيت رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- ضحك حتى بدت نواجذه، وكان يقول ذلك أدنى أهل الجنة
منزلة. البخاري.
لا راد لقضائه، ولا
معقب لحكمه، ولا معطي لما منع، ولا مانع لما أعطى، (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ
زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي
السَّمَوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ
مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) [سبأ:22].
له الأسماء الحسنى، والصفات العلى، وليس كمثله
شيء وهو السميع البصير، (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ
الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ
الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [الحشر:23].
وما الدنيا بأسرها، وما الأرض بملوكها وسلاطينها،
وزعمائها وعظمائها، وبحورها وقصورها، وجبالها وسهولها، وأنهارها وأشجارها إلا ذرة
يسيرة من آماد ملكوته العظيم، وكونه البديع، فالأرض بكل ما فيها ما هي إلا جزء من
مجرة واحدة من عشرة آلاف مجرة في الكون، سبحانه! عَظُم ملكه، وامتد سلطانه، وجل
شأنه، ووضح برهانه.
(اللَّهُ لَا إِلَهَ
إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَهُ مَا
فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا
بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ
مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ
وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة:255].
ولم تعرف الدنيا بأسرها أحداً عظَّم الله تعالى
وقدسه، ونزَّهَهُ ووحَّدَه، وغرس في القلوب جلاله وجماله، مثل محمد -صلى الله عليه
وسلم-. انظر إليه في صلاته! عَنْ عَلِىِّ بْنِ أَبِى طَالِبٍ عَنْ رَسُولِ الله
-صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلاَةِ قَالَ:
"وَجَّهْتُ وَجْهِىَ لِلَّذِى فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا
أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ، إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى لله
رَبِّ الْعَالَمِينَ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا مِنَ
المُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ أَنْتَ المَلِكُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ
رَبِّى وَأَنَا عَبْدُكَ، ظَلَمْتُ نَفْسِى وَاعْتَرَفْتُ بِذَنْبِى فَاغْفِرْ لِى
ذُنُوبِى جَمِيعًا إِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، وَاهْدِنِى
لأَحْسَنِ الأَخْلاَقِ لاَ يَهْدِى لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّى
سَيِّئَهَا لاَ يَصْرِفُ عَنِّى سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ، لَبَّيْكَ
وَسَعْدَيْكَ، وَالْخَيْرُ كُلُّهُ فِى يَدَيْكَ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْكَ،
أَنَا بِكَ وَإِلَيْكَ، تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ
إِلَيْكَ".
وَإِذَا رَكَعَ قَالَ:
"اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، خَشَعَ لَكَ
سَمْعِى وَبَصَرِى، وَمُخِّى وَعَظْمِى وَعَصَبِى". وَإِذَا رَفَعَ قَالَ:
"اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ مِلْءَ السَّمَوَاتِ وَمِلْءَ الأَرْضِ،
وَمِلْءَ مَا بَيْنَهُمَا، وَمِلْءَ مَا شِئْتَ مِنْ شَىْءٍ بَعْدُ". وَإِذَا
سَجَدَ قَالَ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ
أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِى لِلَّذِى خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ
وَبَصَرَهُ. تَبَارَكَ الله أَحْسَنُ الخَالِقِينَ". ثُمَّ يَكُونُ مِنْ
آخِرِ مَا يَقُولُ بَيْنَ التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ: "اللَّهُمَّ اغْفِرْ
لِى مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، وَمَا
أَسْرَفْتُ، وَمَا أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنِّى؛ أَنْتَ المُقَدِّمُ وَأَنْتَ
المُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ" أخرجه مسلم.
سبحانه! جل شأنه، وتقدست أسماؤه؛ يسمع دبيب
النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء؛ ينصر المظلوم، ويسعف
الملهوف، ويجيب المضطر، ويغفر للعاصي، ويسامح المذنب، ويجود على العاصي، ويشفي
العليل، ويغني الفقير، ويسعد البائس، وكل شيء عنده بمقدار، (أَمْ مَنْ يُجِيبُ
الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ
الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) [النمل:62].
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
عَنْ رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "يَنْزِلُ الله إِلَى
السَّمَاءِ الدُّنْيَا كُلَّ لَيْلَةٍ حِينَ يَمْضِى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأَوَّلُ
فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ! أَنَا المَلِكُ! مَنْ ذَا الَّذِى يَدْعُونِى
فَأَسْتَجِيبَ لَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِى يَسْأَلُنِى فَأُعْطِيَهُ؟ مَنْ ذَا الَّذِى
يَسْتَغْفِرُنِى فَأَغْفِرَ؟ لَهُ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يُضِىءَ
الْفَجْرُ" أخرجه مسلم.
إذا عفا فبفضله، وإذا
عاقب فبعدله، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود، عفو يحب العفو، مَن توكَّل عليه
كفاه، ومن لجأ إليه آواه، ومن استنصر به نصره، ومن استعز به أعزه، ومن اعتصم به
عصمه، ومن استغفره غفر له: "يا ابن آدم! لو بلغت ذنوبك عنان السماء، ثم
استغفرتني غفرت لك ولا أبالي. يا ابن آدم! إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا، ثم
لقيتني لا تشرك بي شيئا، لأتيتُك بقرابها مغفرة" أخرجه الترمذي وصححه
الألباني.
وعن الأغر أبي مسلم
قال: أشهد على أبي سعيد و أبي هريرة أنهما شهدا على النبي -صلى الله عليه وسلم-
قال: مَن قالَ: لا إله إلا الله، والله أكبر، صدَّقه ربه فقال: لا إله إلا أنا،
وأنا أكبر. وإذا قال: لا إله إلا الله وحده، قال: يقول: لا إله إلا أنا وحدي، وإذا
قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد، قال: لا إله إلا أنا، لي الملك ولي
الحمد. وإذا قال: لا إله إلا الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: لا إله إلا
أنا، ولا حول ولا قوة إلا بي. وكان يقول: من قالها في مرضه ثم مات لم تطعمه
النار". الترمذي وصححه الألباني.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق