نظرة تأمُّلٍ لأحوالِ
العالَم اليوم تبعث الحيرة، وتثير العجب، وتغرس الأسىٰ، حيث يرىٰ المتأمل أن
العالم كله مشتغل بالإسلام وأهله؛ فالاجتماعات الدولية، والمحافل الأمْنِيَّة،
والقِمَم العالمية، جُلُّ أعمالها عن الإسلام والمسلمين، تفنُّنٌ في المـــَكْر،
وثورةٌ علىٰ القِيَم، وتدخُّل في المناهج، وفرضٌ للعلْمَنة، وتشويهٌ للدِّين،
واتِّهامٌ للشخصيات والجماعات والجمعيات، وركضٌ وراء أسلحة الدمار الشامل،
وتحجُّجٌ وتبجُّحٌ بالحرب علىٰ الإرهاب.
إنهم مذهولون مذعورون
من هيمنة هذا الدين وسلطانه علىٰ النفوس والعقول، وسرعة ازدهاره وانتشاره، وإقبال
الناس عليه، وتفرده وشموخه في وقت تلاشت فيه المناهج، وتهاوت النظريات، وهو لا
يزداد إلا جمالا وجلالا في وقت كانوا يظنون أن حروبهم الطويلة علىٰ مر التاريخ
واستعماراتهم وحضاراتهم ونظرياتهم ومؤامراتهم ومناهجهم قد أثرت في الدين وأفسدت
المسلمين، فإذا بهم يفاجؤون بما لم يكن في حسباتهم أو يخطر في أذهانهم, وهو
الإقبال الكبير من هذه الأمة على دينها, وتعلقها به, ومطالبتها بحكمه لها. يفاجؤون
بالفوز الكبير لكل حزب أو جماعة تتخذ من الإسلام شعاراً لها. (يُرِيدُونَ
لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْكَافِرُونَ) [الصف:8].
لماذا تتعرض الأمة
الإسلامية في هذه الأيام لهجَمَاتٍ مسعورةٍ يشترك فيها جميع أعداء الإسلام علىٰ
السواء؟ لماذا تزداد هذه الهجمات شراسة كلما ظهرت في بلاد الإسلام صحوة إسلامية؟
ولماذا تُكال الضرَبات العنيفة للاتجاه الإسلامي في كل مكان؟ لماذا تُكَالُ
التُّهم، وتختلق الافتراءات علىٰ البارزين من علماء الإسلام ودعاته؟ لماذا خُصَّتْ
بلاد الإسلام بالمؤامرات والدسائس؟ ولماذا تثار الشبهات حول الإسلام ومبادئه
ومناهجه، وعقائده وأحكامه؟.
لماذا تلك الحملات
الشعواء التي تشنها صحافة الغرب والشرق علىٰ الإسلام ودعاته؟ ولماذا التهم الباطلة
التي توجَّهُ للمملكة بين الفينة والأخرىٰ؟ ولماذا ذلك التركيز علىٰ نشر الفاحشة
والعهر وأسواق الرذيلة في بلاد المسلمين؟.
إنها أسئلة محيِّرة،
وحينما نود الوقوف للإجابة عن بعض منها يتجلىٰ لنا أن الذي يدفعهم إلىٰ ذلك كله هو
الحقد المرير الممتزج بالخوف الرهيب من الإسلام، فقد اتجهت العداوة الصليبية
الصهيونية المشتركة بكل عنفها وضراوتها إلىٰ الإسلام؛ حاولوا اقتلاع الإسلام من
جذوره بكل ما أوتوا من قوة، بالحروب الطاحنة تارة، وبالتبشير تارة، وبتشويه صورة
الإسلام في نفوس المسلمين تارة، وبإفساد الأخلاق تارة، وأخيراً بتربية جيل من
النافرين من الإسلام تسلمه مقاليد الأمور في البلاد ليقوموا بدلا عنها بالقضاء
علىٰ الإسلام.
حقد، كراهية، مكر،
خديعة؛ وهذا حال الجاهليات كلها علىٰ مَرِّ العصور، وهذا تصديق لما أخبر الله به
من شدة العداوة والحقد من الكفار للمؤمنين، (وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ
حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا) [البقرة:217]، (وَدَّ
كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ
كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ
الْحَقُّ) [البقرة:109]، (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى
حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120]، (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا
كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَوَاءً) [النساء:89].
ويعترف أحد المستشرقين
المعاصرين أن الغرب يوجه كل أسلحته الحربية والعلمية والفكرية والاجتماعية
والاقتصادية لحرب الإسلام.
وقد استغل اليهود
صليبية الغرب، فقبل حرب الـ 1967م وضعت صناديق للتبرعات لليهود في فرنسا كتبت
عليها كلمتان فقط: "قاتلوا المسلمين" فالتهب الحماس الصليبي الغربي،
وتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط.
حقد، كره، غيظ؛ في
حروبهم الاستعمارية كان الجندي ينادي بأعلىٰ صوته حينما يلبس لباس العرب بهذا
النشيد: أماه.. أتمي صلاتك.. لا تبكي.. بل اضحكي، سأبذل دمي في سبيل سحق الأمة
الملعونة، سأحارب الديانة الإسلامية، سأقاتل بكل قوتي لمحو القرآن.
إنه جندي قد بثوا في
قلبه ووجدانه أن الأمة المسلمة هي أمة الخطر والموت والضلال، وأن قتالها وحربها
شرف كبير لكل صليبي. إن المتأمل لهؤلاء القوم يجد أنهم يخافون الإسلام ويرهبونه،
ويقُضُّ انتشاره وانتصاره مضاجعهم، فما هي أسباب هذا الخوف؟.
إنهم يخافون من
الإسلام ويرهبونه لأمور كثيرة:
1/ يخافونه لأنهم يرون
أنه الجدار الوحيد أمام الاستعمار وأمام سيطرتهم علىٰ العالم، يقول لورنس بروان:
إن الإسلام هو الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي. ويقول غلادستون، رئيس
وزراء بريطانيا سابقا: ما دام القرآن موجودا في أيدي المسلمين فلن تستطيع أوروبا
السيطرة علىٰ الشرق.
2/ ويخافون منه لأنهم
يرونه المانع الوحيد الذي يحول دون انتشار المسيحية، يقول أحدهم: إن القوة الكامنة
في الإسلام هي التي وقفت سدا منيعا في وجه انتشار المسيحية.
3/ ويخافونه لأنهم
يرونه الخطر الوحيد أمام استقرار الصهيونية وإسرائيل، يقول بنغوريون، رئيس وزراء
اليهود سابقا: إن أخشىٰ ما نخشاه أن يظهر في العالم العربي محمد جديد.
4/ يخافون من الإسلام
لأنه يصنع أمة واحدة تكون مؤهلة للقيادة، ويربي أتباعه علىٰ الحب والود والألفة
والتكاتف والاعتصام بحبل الله جميعا، والوقوف صفا واحدا كالبنيان المرصوص،
والتضحية والفداء وحب الشهادة.
5/ يخافون منه لأنه
يقيم حُكْم خلافة ربانية، فتكون متحررة من أي تبعية، ومن أي نظام صنعته أيدي
البشر، خلافة تمضي علىٰ مراد الله، وتتمثل سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
6/ يخافون من هذا
الدين لأنه دين الجهاد، ولأن أتباعه مأمورون بمقاتلة الكفار ودحرهم، وهو دين يبين
أن الجنة تحت ظلال السيوف.
7/ يخافون منه لأنه
يخرِّج رجالا من المجاهدين أمنيتهم الوحيدة هي نيل الشهادة في سبيل الله،
والاستماتة لرفع راية لا إله إلا الله.
إنهم قد عرفوا هذه
النماذج الرفيعة علىٰ مر العصور، عرفوها في الحروب الصليبية، عرفوها في الهند،
عرفوها في أفغانستان، عرفوها في ثورة الجزائر، عرفوها في العراق، عرفوها في
فلسطين، عرفوها ولا يزالون يعرفونها في كل حين، وعلىٰ كل مضمار.
8/ يخافون من هذا
الدين لأنه يرفض الظلم والجور والطغيان والاستبداد والفحش والعهر والدعارة فيزكي
النفوس، ويرتقي بالأرواح، ويسمو بالهمم.
9/ إنهم يخافون من هذا
الدين لأنهم يرونه الخطر الوحيد عليهم، يقول موراتس بروان: لا نخاف من اليهود، ولا
من الشيوعيين، ولا من اليابانيه، إن الخطر الحقيقي علينا موجود في الإسلام، وفي
قدرته علىٰ التوسع والإخضاع، وفي حيويته المدهشة. ويقول المستشرق غردنر: إن القوة
التي تكمن في الإسلام هي التي تخيف أوربه.
لقد أيقنوا بقوة هذا
الدين، وبعظيم أثره، وشدة جذبه، وأنه متىٰ ما تسرب إلىٰ النفوس، وتزينت به القلوب،
وتعطرت به الأرواح، فسوف ينهض بأتباعه، ويرتقي بأشياعه، فيسمو بهم إلىٰ قيادة
العالم، ويعود بهم إلىٰ ذروة المجد، محطما كل عدو، ممزقا كل حقود، مبدِّدَاً كُلَّ
ضلال وظلام، فأسهروا لياليهم، وأعملوا أذهانهم، وشحذوا هممهم؛ ليبدؤوا رحلة جديدة
من المكر، وحملة عارمة من الخبث، وسلسلة حديثة من العداء، ليذهبوا تألقه، ويقمعوا
تفوقه، ويرهبوا أتباعه، ويخيفوا أنصاره، ويطمسوا معامله، ويشوهوا مآثره،
(وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) [الأنفال:30].
إن من أوجب الواجبات
علىٰ كل مسلم أن ينصر ربه وكتابه ونبيه -صلى الله عليه وسلم-، وأن يجاهد لحماية
الدين، ويبذل لرفعة المسلمين، ويجتهد لعزة المؤمنين؛ إن الأمة في خطر! إن أجيالنا
في خطر! إن مقدساتنا في خطر! إن ديننا في خطر! فكيف يرضىٰ مسلم يؤمن بالله وكتابه
ونبيه أن يتخاذل عن العطاء، ويتقاعس عن العمل؟ بل الأدهىٰ من كل ذلك أن يكون سببا
من أسباب الضعف، وعنصرا من عناصر الهزيمة، بارتكاب الذنوب، والصدوف عن الدين،
والعزوف عن العبادة، والانهماك في المعاصي، مما يضعف القوىٰ، ويفكك العرىٰ، ويوهن
النفوس، ويغضب الرب، ويسخط الخالق.
إن التوبة إلىٰ الله،
الرجوع إلىٰ دوحة الحق، والاعتصام بالدين، هو الركن الركين، والأساس المتين، الذي
منه ترتفع أعلام النصر، وتغرِّد بلابل الحق، وتنطلق بوارق النصر: (إِنْ تَنْصُرُوا
اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) [محمد:7].
إنه من العار والضياع
علىٰ أمة الإسلام، وعلىٰ شباب المسلمين علىٰ وجه الخصوص، أن تصرف أوقاتهم، وتضيع
طاقاتهم في اللهو والضياع والهوىٰ، بينما هنالك أعداء قد أضمروا لهم العداء،
وتربصوا بهم الدوائر.
إن مما يبعث الأسىٰ
والألم أن أصبح أكثر المسلمين يتابعون القنوات والصحف والأخبار كي يعرفوا كم قُتل
من المسلمين في فلسطين, وكم ذبح في العراق, وكم مزق في أفغانستان؟! ثم يلتفتون بعد
ذلك إلىٰ شؤون حياتهم في رتابة مَقيتة, مع أن الإنسان بيده أن يقدم شيئاً، ولو لم
يكن إلا ركعتين في السحر يبتهل فيهما إلىٰ الله, ويسأله النصر لإخوانه المسلمين.
إن كنا نحب الله
فلننصر الله بامتثال أوامره، والاستجابة لندائه؛ إن كنا نحب القرآن فلننصر القرآن
بحسن تلاوته، ومعرفة مكانته، وتحكيمه في حياتنا، فهو نور الحياة، وضياء الدنيا،
وأساس العزة، ومنبع النصر، ومنطلق الكرامة؛ إن كنا نحب محمداً -صلى الله عليه
وسلم- الذي حمل عليه المغرضون، ونال من سنته المجرمون، وانطلقت باتهام شريعته
أقلام الحاقدين، فلنمتثل سنته، ولنذُبَّ عن دينه، ولنتخلَّقْ بأخلاقه.
إذا تمثلنا هذه
الحقائق، وعشنا تلك المثل فقد تربعنا علىٰ عرش القوة، وأخذنا بأسباب الفتوة..
سنسير في ثقة، ونمضي في شموخ، ولن يضرونا إلا أذىٰ، (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) [النور:55].
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق